روائع مختارة | واحة الأسرة | قضايا ومشكلات أسرية | خاطرة أمّ مطلّقة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > واحة الأسرة > قضايا ومشكلات أسرية > خاطرة أمّ مطلّقة


  خاطرة أمّ مطلّقة
     عدد مرات المشاهدة: 2739        عدد مرات الإرسال: 0

الدنيا أتعبتني كثيراً، سرقت من صحّتي وشبابي الكثير الكثير، لم تضحك لي يوماً إلاّ هنيهات، وأبكتني بسببها أشهر وسنوات، بين أحشائي قلب ينبض بالحبّ والحنان، يشتاق إلى كلّ من أحببت، أولادي، أهلي، صديقاتي وجيراني..إلى وطني وكلّ من فيه..إلى ترابه وبحره، إلى سهوله وجباله..

شرّدت في هذه الدنيا وحاربت وحوربت، كثيراً ما كنت ألمح في عيون الذئاب الطمع، فكنت أخاف وألتجئ الى الله تعالى كي يحميني منهم، وانزويت عن الناس في أحضان غرفتي الصغيرة التي صارت ملاذي في هذه الدنيا بعد الله تعالى، فرغم برودة جدرانها، وقدم أثاثها فقد كانت تعني لي الكثير، فهي الغرفة الوحيدة التي كانت لي بعد أن فقدت كلّ شيء، فقدت البيت، والعائلة، ثمّ فقدت الوطن.

غرفتي كانت ملاذي، فكنت أصرف كلّ وقتي فيها، أخاف أن أتركها كيلا أفقدها هي الأخرى.

الذكريات كانت تطاردني في أغلب الأوقات، تقتحم عليّ باب الغرفة المقفل بإحكام، ترفض الإبتعاد، وكلّما توسّلت إليها أن تتركني وشأني تصرّ على البقاء، وعلى القدوم دون إستئذان. وإذا أذعنت مرّة لطلباتي ورجائي كانت عيون والديّ ونظراته تعيد إليّ الماضي، فأنا كنت كلّما زرت أهلي في المدينة البعيدة التي يعيشون فيها كنت ألمح في عينيّ والدي نظرات عتاب وحزن، وكنت كلّما وضعت رأسي على الوسادة قرب رأس أمّي أسمع منها كلمات التأنيب وكأنّني أنا الظالمة ولست المظلومة، وكنت كلّما اجتمعت مع أخواتي أشعر منهنّ بنظرات الحزن والشفقة لأنّهن جميعاً مع رجالهنّ وأولادهنّ وأنا لوحدي، حتّى أصبحت أتجنّب هكذا إجتماعات، ولو إضطررت إليها كنت أسرع في الإنتهاء منها لأعود بعدها إلى غرفتي الحبيبة.

إتصالاتي بأولادي باتت يوميّة، ولأجلها كنت أدفع ربع مرتّبي، وكلّما إتصلت بهم كنت أشعر أنّني ما عدت بحياتهم، فأنا صرت بنظرهم مجرّد صوت يأتيهم كلّ مساء لربع ساعة أو أقل، يزعجهم لأنّه يأخذهم من أعمالهم، حتّى طفلي الصغير بات يتكلّم معي بسرعة وكلمات لا تتغيّر يوميّاً: كيفك ماما، أنا بحبك، يالله بدك شي؟

ولو أردت الإستفسار عن دراسته أو عن صحّته يقول إنّه مشغول بلعبة على الكمبيوتر، أو بفلم كرتونيّ، أو ما شابه.

وكنت كلّما تكلّمت مع إبنتي كانت تتكلّم معي بهدوء مخيف، تسلّم عليّ وتسكت حتّى أسألها أنا وأنتزع الردّ منها إنتزاعا، فأشعر بتضجّرها من أسئلتي ولهفتي، ولا تروي ظمئي بمعرفة أخبارها، صارت أبعد ما تكون عنّي، فهي في عالمها الخاص الذي أوجدته، أو وجدت نفسها به بعد تركي البيت، والبلد، والإبتعاد عنهم.

تلومني لأننّي تركتهم، وهي بإبتعادها عنّي تعاقبني على ذنب أجبرت عليه فتزيد من آلامي ومن مرارة ما أعانيه.

ولدي البكر هو الوحيد الذي كنت أشعر معه بالسكينة، يكلّمني بهدوء، ويحاول طمأنتي على أحوال أخته وأخيه، ويشرح لي عن دراسته وسيرها.

كنت أشعر أنّه يحس بمعاناتي، وبوضعي المؤلم، وكنت أشعر بمحاولاته التخفيف عنّي بكلام كان يزيدني شوقاً وألماً.

قلت لهم مرّة: أنا أشعر بالتعب هنا وأريد العودة، ما عدت أستطيع تحمّل البعد والقهر، أنا حمّلت أكثر ممّا أطيق، مكاني بالقرب منكم، ما عدت أريد من هذه الدنيا إلاّ أن أكون معكم، أراكم ولو هنيهات في الأسبوع أو الشهر، يكفيني أنّني أتنفّس الهواء الذي تتنفسونه، وأدوس الأرض التي تقفون عليها، لكنّ ردهم حينها كان كالصاعقة لي، وقد كان الردّ واحداً: لاااااااااااااااااااااا، لا تفعلي، كيف ستعيشين هنا ومن سيصرف عليك؟

ردّهم في أوّل الأمر صعقني، لكنّهم على حقّ، علي ألاّ أدع عواطفي تتحكّم بي ثانية، أنا تركت الوطن لهذا السبب، فكيف أعود والسبب مازال لم يتغيّر؟

علي السكوت والصبر، والبقاء في الغرفة.

آه يا غرفتي، أنت التي لم تلفظيني يوماً، تتحمّلين آهاتي وبكائي اليوميّ، لك منّي يا غرفتي كلّ إمتنان وحبّ.

الكاتب: أ. سحر عبد القادر اللبان.

المصدر: موقع رسالة المرأة.